هكذا الكلماتُ تفْعَل
قصيدة جديدة للشاعر مهند ساري
هكذا الكلماتُ تفْعَل
_____
لَمْ يَبْقَ لي مُتَعٌ سِوى
نَظَري بآيِ الذِّكْرِ ، والشِّعْرِ القديم /
.. ..
بلَى ، ولي مُتَعٌ سِواها
لسْتُ أَذْكُرُها امتثالًا لاختصارٍ مُمْكِنٍ ،
فالسّرْدُ يَطْلُبُ حصّةَ التّفصيلِ
- والتّفْصيلُ وقْتٌ لسْتُ أَمْلكُهُ –
الحياةُ ضَنينةٌ بالوقْتِ
( فاقْصُرْ .. أَيُّها السّردُ )
.. ..
أَمّا " الكتابُ " فرُبّما سأَقُصُّ حظّا
من حياتي فيهِ:
كيفَ عَرَفْتُهُ من نفْسِهِ هُوَ
لا منَ الأَفواهِ ، والكتُبِ القديمةِ
أَو وراثةِ والِدَيْن يُصَلّيانِ
ويَرجُوانِ صلاحَ إبنِهِما –
الصّلاحُ حقيقةُ الأحرارِ
( والتّلْقينُ .. ما يَتَلَقّفُ العَبْدُ )
.. ..
وذَهَبْتُ في الذّهبِ القديمِ هناكَ
- وهْوَ حياتيَ الأُخرى –
سكَنْتُ به طويلًا، ثُمّ لمْ أَرْجِعْ إلى
دنيايَ إلّا كي أَزورَ حياتيَ الأُولى
- وأَحياها قليلًا - زَورَةَ المُضْطَرِّ ...
( كانَ .. ولَمْ يكُنْ.. مِنْ حاجةٍ بُدُّ )
.. ..
وحدي عَرفْتُ حقيقةَ الطّلَلِ القديمِ بِشِعْرِهمْ
وكتَبتُ " بَحْثًا " موجزًا عنه ، وأَبْقَيْتُ الكثيرَ ...
ذَهَبْتُ أَحيا في الكلامِ / قديمِهِ الباقي منَ
الدّهْرِ القديمِ
لأَسْمَعَ الإنسانَ والحَجَرَ الذي يَبْكي بهِ
أَو أَسْمَعَ الحَجَرَ الذي يَبْكي بهِ الإِنسانُ ...
( إنّ كِليهِما باكٍ .. إذا يَشْدو )
.. ..
وَذَهَبْتُ لا مَشْيًا ، فإنّ المَشْيَ
بَعْضُ عَوائِدِ النّفَرِ الكُسالى/ المشْيُ
للأمْواتِ إذْ يُزْجونَ وقْتًا في الحديث عنِ
الحياةِ وفَقْدِها ...
والحيُّ – وهْوَ الظّامئُ الملهوفُ – ليسَ
يُطيقُ ثرثرةً ولَغْوًا باطلًا
( لَمّا إلى ... يَنْبوعِهِ يَعدو )
.. ..
أَشْتدُّ في عَدوي كأنّي طالبٌ وِتْرًا
- هيَ الكَلِماتُ أَوتاري-
وأُذْهَلُ حين تُصْبِحُ كُلُّ شاردةٍ بهِ
في اللّيلِ .. مَنْبَهَةً على الأَلمِ النّبيلِ
( وكُلُّ مَنْبَهَةٍ .. على ما أَنْبَهَتْ قَيْدُ )
.. ..
وَصَبَرْتُ أَنْ أَحيا ...
صَبَرْتُ لأُمْسِكَ النّارَ التي
قد أَوْقدوا ، في ليلِهمْ ، وأُحِسَّها ...
تُذْكي المواجِعَ نارُهُمْ فأَذوْقُها
أَلَمًا يُبرِّدُهُ النّدى
( إلّا اصطِلائي بالمواجِعِ ... ليسَ لي قَصْدُ )
.. ..
قَلّبتُ أَرواحَ الرّجالِ هناكَ روحًا
تلْوَ أُخْرى ...
آهِ كمْ كثُرَتْ على
نَظَري الحسيرِ – مَعَ الصّدى – الأَرواحُ !
كمْ أَخَذَتْ مباهجَ زينةٍ دَثَرَتْ !
( وليسَ ... لزينَةٍ عهْدُ )
.. ..
كمْ كُنْتُ أَطوي اللّيلتينِ مَعًا وأُخْتَهُما
ويأْخُذُني النُّعاسُ هناكَ في سَهَري الطّويلِ ...
هناكَ حَسْوَ الطّيرِ يأْخُذُني
فأَغْفو راكضًا .. أَوْ طائرًا ...
في الحُلْمِ ، في مَلَكوتِهِ السِّرّيِّ ، في
الحلْمِ السّريعِ هناكَ تَختَلِطُ الحقائقُ
والرّموزُ جميعُها ...
!( أَيضًا وفيهِ .. خَبَرْتُها تبدو )
.. ..
تَبْكي الحِجارةُ في الكلامِ كأنّها بِنْتٌ
وأَبْكي ، حينَ أَسْمَعُها ، كما يبْكي الرّجالُ /
هناكَ ريحٌ في الكلامِ ،
هناكَ صحراءٌ وماءٌ ،
ثُمّ أَشْجارٌ ونارٌ ...
كلُّ ما قد كنتَ تَعرِفُهُ وتَجْهلُهُ - هنالكَ -
ماثلٌ في شِعرهِمْ سُحُبًا تَضَنُّ بِغَيْثِها
إلّا على الهُلّاكِ مثْلِكَ / مَنْ
يَرومونَ انتحارًا باذخًا في بَرقِها
مَنْ يَسْتَبْشِرونَ بأَنّهمْ قد زُحزِحوا عن طينِهمْ
وصَفا لهُمْ ماءُ الكلامِ
ونارُهُ
( ... واللّحظةُ الخُلْدُ )
..
..
فهَلِ اشْتَفَيتَ منَ الضِّرامِ هناك في وجَعِ الكلامِ ؟
أَمِ اشْتَفَى فيكَ الحنينُ لأَوّلِ
الأَثَلاتِ في الرَّبْعِ القَديمِ ؟
وهلْ علومُكَ بالدّوارِسِ منْهُ تَكْفي ؟
ما الذي وَقَفوا على أَطلالِهِ واسْتوقفوا
حزَنًا عليهِ الصّاحبينِ ؟
وما حكاياتُ الأثافيِّ التي عَلِقَ الرّمادُ بها طويلًا ؟
ما حكاياتُ الظّعائنِ وهْيَ تَطْلُعُ ؟
ما حكايتُها إذا هَبَطَتْ بوادٍ ؟
واللِّوَى ، ذاكَ اللِّوَى ، ما أَصلُهُ ؟
وَلِمَ الْتَوَى .. في نَفْسِهِ .. بَعْدُ )
؟ (
.. ..
وَجْدٌ على وَجْدٍ حياتُكَ في الكلامِ
تَرى جراحَكَ كُلَّها فوقَ السّيوفِ بِحَربِهمْ
وتَرى هُنالكَ – إذْ تَرى – جَرَّ الرِّياحِ أَنينَها في
الرّمْلِ ...
أَنتِ شقيقتي يا ريحُ ،
أََنتِ شقيقتي الكُبرَى
تَبَرُّ دمي فتَبْكيهِ
تَبَرُّ بهِ حنينَ الطّيْرِ والشّجرَ الذي
نَزَلَتْ به النّيرانُ واتّخَذتْهُ بيتًا .../
هكذا الكلِماتُ تَفْعَلُ
تَجْعَلُ الشُّعَراءَ طُعمَةَ نارِها
وَقِرًى لها !
أَوْ هكذا الكلِماتُ :
وقْدٌ يُشْتَهَى ،
!( أَوْ شهْوةٌ .. فَوَرانُها
وَقْدُ )
.. ..
في الشّهْوتَينِ لقد رَمَتْكَ بما رَمَتْ !
في الوقْدَتينِ – تَعفُّفًا –
ما قُلْتَ :
( زَمِّلْني بِبُرْدِكَ .. أيّها
البَرْدُ )
.. ..
" قد أَفْسَدَ الموتُ
الحياةَ " /
أَجَلْ ، وأَصلَحَها ...
وبَعضُ الموتِ يُحيي ،
بَعضُهُ مِمّا حرائقُهُ النّدى ،
مِمّا مَرارتُهُ على الأَرواحِ والذّكرى
( هيَ الشّهْدُ )
.. ..
الصّارخانِ هُما الغُرابُ ولَيلُهُ
والباكيانِ هُما الكلامُ وظِلُّهُ
ولكُلِّ مُعْوِلَةٍ صدًى يَبكي معَ الرُّجْعَى
كما
ولكُلِّ فارسِ بُهْمةٍ فيها مُهنّدُهُ
( لكُلِّ مُهَنّدٍ .. هِنْدُ )
.. ..
لَعِبَتْ بيَ الكلِماتُ – وهْيَ لَعُوْبةٌ –
ولها – كما امرأةُ العزيزِ –
( على الهوى ... كَيْدُ )
.. ..
جُرْحٌ على جرحٍ هيَ الكلِماتُ تَحمِلُها نُدوبًا
منْذُ أنْ أَعدَدْتَ مُتَّكأً
ورُحتَ تُقطِّعُ الدّنيا بها ...
قطّعْتَ نفْسَكَ إثْرَها
قطّعتَ نفسَكَ ذاهلًا !
هيَ هكذا الكلِماتُ :
موتٌ كالحياةِ
طريقُها هَوْلٌ منَ الأَهوالِ
تَبْلوْهُ البصيرةُ
( ثُمّ .. أَدنى هَزْلِها جِدُّ )
.. ..
تَحيا معي في نفسِها الكلِماتُ ، تَأْخُذُني
إلى وجَعي سقيمًا .. /
أَينَ أَنتِ هناكَ فيَّ ؟
هناكَ في الزّمنِ الذي لا وقْتَ فيهِ ،
هناكَ فوقَ لِوَى البُنَينَةِ ؟!
ثُمّ أينَ أَنا بما صَبُّوا منَ
الأَوْجاعِ فيكِ ؟ !
وصرتُ أَعرِفُ :
لمْ تكوني بُرْأَهُمْ ، يَوْمًا ، لِيَبْرَأَ شاعرٌ
( إذْ قلّما .. قد يُبْرِئُ الفَقْدُ )
.. ..
وعدًا على الكلِماتِ لا
يَشْفي النّوى أَحَدًا بها
إلّا وتأْخُذُهُ نَكالَ حنينِهِ
ونَكالَ ما فيهِ منَ الطّيْرِ الذي
لَمْ يَشْفِهِ هذا المَدى
( ليتَ المدى.. ضَمْدُ)
.. ..
وعدًا عليَّ
بأنْ أَظَلَّ هُنا مريضًا
( أَيّها الوَعدُ )
* *
لمْ يَبْقَ لي مُتَعٌ سِوى
نَظَري بهذا الذّكْرِ ، والشِّعْرِ القديمِ ...
إذا فَرُغْتُ هُنا منَ ايِّهما رَمَيْتُ
يدي على كَبِدي لِأَلْأمَ صَدعَها /
يا صاحبيَّ الباقيَيْنِ ألا اسْلَما أَبَدًا
ولا تَستَبْطِئا خبَري
( فَلِي - منْ لَهْفَةٍ - عَوْدُ)
.. ..
يوما فيومًا صِرْتُ صَبْرَ فِراقِ روحي
- وهْيَ بِنْتُ بُكائِها –
يَبْكي الصَّبا فيها
إذا ، يومًا ، بَكَتْ
( مِنْ صَبْوَةٍ .. نَجْدُ )
.. ..
وَجْدٌ على وَجْدٍ حياتُكَ كُلُّها
وَجْدٌ يُرَقِّعُ .. ما يُمزِّقُهُ
( بِكَ .. الوَجْدُ )
.. ..
جُرْحٌ على .. جُرْحٍ
بهذا كُلِّهِ
- وبِمِثْلِهِ –
( قد يُصْنَعُ المَجْدُ )
إرسال تعليق