سلطان الخضور |
من خلال قراءتنا لقصيدة "بصمة الإخراج" من ديوان حارس المعنى للشاعر
أحمد الخطيب، نجد بعض المفردات الموحية ككلمة "فوق والممثل ورقصة وفخ وغير
ذلك"، فكلمة فوق واقترانها بالظهور والسرد ذات دلالة على علو المركز، ففوق
موجبة المعنى إذا ما قورنت بتحت، وفوق تسهل على من أراد الرؤيا أن يرى فلا شيء
يغطي فوق، فهي تغطي ولا تغطى، وهي التي تزيد من فرصة الرؤيا.
والسرد وسيلة من وسائل التعبير ونقل بعض المشاهد، فالسرد هنا لن يكون سرداً عادياً بل ملفتاً للنظر ككلمة ذات تأثير، فالسكوت عن طفل ينام على قارعة الطريق، وهو بهذه الحالة يفتقد الدفء فهو يفترش الرصيف ويتلحف السماء، فتجاهل هذا المشهد قاتل، كمن يضع حول رقبته حبل المقصلة، فهو جزء من الحدث وكشاعر عليه مسؤولية الإشارة والتوضيح.
وكل هذه المشاهد تتأثر بالسكنى وتنعكس على المعنى، فعبارة
"سأنظر إلى الممثل في الحديقة، كيف يرقص رقصة الدوري في فخ النصوص" تشير
إلى عدم الرضا عن الواقع، فالممثل وإن كان يحاول نقل صورة عن الواقع، إلا أن هذا
النقد سيكون نسبياً ولن يكون قادراً على نقل الواقع كما هو، والرقص والفخ حالتي
تناقض تعكس صورة الواقع، فكيف إذا كان الرقص من ممثل، عندئذٍ لن يكون الوضع مألوفاً.
ومما يعكس صورة الواقع أيضا هذا التناقض في تصوير البنايات الشاهقات
اللاتي يشاهدها ابن المخيم الذي يعيش على هامش الحياة، في ظروف قاسية بعيدة كل
البعد عن المشهد، يعيش واقعاً معمّد بالضحايا، مجبول بقسوة الوضع المعيشي والقدرة
على الصبر والتحمل والوقوف المستمر على جبهة الصمود من أجل البقاء، ما يشير إلى
نفسية متعبة تتألم من قساوة الواقع، والأدهى من ذلك أن عدسة المصوّر تتجنب التقاط
صور لطفل ينام على قارعة الطريق، ما يعكس حالة من البؤس توقظها حالة اليأس التي
يلتقطها قلب الشاعر وعواطفه فلا يجد مناصاً من تفريغها شعراً ليعوض ما لا تلتفت
إليه عدسات المصورين وسعي المخرجين لتجنب إظهار المشهد الذي يعكس الواقع البائس،
رغم أنه ينبض بالحياة وأشار إلى نبض الحياة بكلمة" رئة" ليشير إلى
الحيوية.
وجاءت كلمة قافية لتشير إلى العطاء الثقافي الغني الذي ينبت بين عظام
القفص الصدري الذي يتنفس الآلام على وقع هذه المشاهد. القصيدة عاتبة ناقدة
محفزة تبذر بذور الواقع بانتظار التغيير.
من ديوان ( حارس المعنى)) بصمة الإخراج)
سأظهرُ فوق سردي
ثمَّ أنظرُ للممثلِ في الحديقةِ
كيف يرقصُ رقصة الدّوريِّ في فخّ النصوصِ
ولا يعي خبراً لراقصة البنفسجِ
وهي تذوي كالهواءِ على بساطِ الأرضِ
ينشطُ خلفها ولدٌ تكحّل بالمرارةِ
والبناياتِ المعتّقةِ التي ظهرتْ على الشاشاتِ
لَمْ أدفعْ لهمْ صور المخيمِ...،
كنتُ أحفظها
وأعرفُ بصمة الإخراجِ
منتسباً إلى سور الحقيقةِ
ها هنا رئةٌ
وقافيةٌ من الحزن المعمّد بالضحايا
والمرايا جثة الإسفلت حين تفيض أيامي
فأمشي نحو مقصلةِ السّكوتِ
وأحتوي طفلاً على ثدي الطريقِ
ينامُ مَملوءً بطائشةِ الطبولِ
ولا أبدي لهُ سبباً
وإنْ خرجتْ عن الإسفلت قاطرةُ المُصوِّرِ
عن سبيلي
إرسال تعليق