-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية

نقد القصيدة الواحدة/ د. سلطان الخضور

هل من حق الناقد أن يتناول بالنقد قصيدة واحدة من ديوان شعر؟ من حيث المبدأ أعتقد أنه من حق الناقد أن يتناول بالنقد أي نص منشور، فعندما يخرج النص مطبوعاً، يصبح أشبه بالملكية العامة، يستطيع أي كان تناوله بالنقد الشفوي أو المكتوب، شرط أن يكون النقد موضوعياً، يدون فيه الناقد نقده أو يقوله ويوضح رأيه، ويستخلص مواطن القوة والضعف في النص، على أن لا يكون النقد كيدياً يتناول فيه المنقود بالانتقاد والتجريح، ويحفظ للمرسل ما له وما عليه.


 لكن إذا كانت قصيدة من بين عشرين أو ثلاثين قصيدة مثلاً، هل يجوز تناولها بعينها دون الأخريات من القصائد؟ أجتهد فأقول أن هذا الأمر جائز حيث يأتي الجواز - حسب رأيي- على عدة وجوه. أولها أن الأمر مرهون بطبيعة موقع القصيدة، إذا كانت القصيدة ممثلة، وبكلمات أخرى إن كانت مفرداتها تسير في الإطار العام للأخريات من القصائد، ولديها القدرة أن تعكس فكرة أو أفكار يريد الشاعر أن يعبر عنها. هنا يجوز للناقد اقتناص الفكرة أو الأفكار من قصيدة واحدة، فالحديث هنا عن الأخريات من القصائد بنفس الطريقة وبنفس الأسلوب يوقع الناقد في التكرار ويدخل المتلقي في بوابة الملل الذي على الناقد تجنبه في جميع الأحوال.


 وفي كثير من الأحيان تكون إحدى القصائد هي القصيدة القائدة، والتي يسمى الديوان بإسم عنوانها، وهي في العادة القصيدة المعبرة عن رأي الشاعر والتي يفتخر بها، وإلا لما اختارها عنواناً لديوانه، فالتعرض بالنقد لهذه القصيدة على الأغلب يعطي القارئ فكرة كاملة عن محتويات الديوان.


ويجوز نقد هذه القصيدة أو التي يقع عليها الاختيار شرط أن توضع في السياق العام للديوان ويشير الناقد هنا إلى بعض الملامح الرئيسة للديوان ويدخلها بهذا الإطار .وكثيرة هي الأمثلة في النقد الانعزالي التي تناولت قصيدة بعيداً عن الديوان.


ومن الممكن كذلك أن يبحث الناقد في أمر أدبي ما، أو أسلوبي أو يبحث عن معنى معين فيجد ضالته في قصيدة معينة من قصائد الديوان، عندئذ يجوز تناول القصيدة إذا كانت تلبي الحاجة، شريطة تحديد الهدف وذكر من أين تم انتقاء القصيدة ولماذا هذه بالذات.


على العموم أجدني أميل إلى تشجيع خروج طرق النقد وأساليبه ومواضيعه من القولبة، والنأي به بعيداً عن الطرق الكلاسيكية، لاستحداث طرق وأساليب وربما أغراض نقدية لم يتم اتّباعها من قبل كاجتهاد ممكن أن يجد له مكاناً في النقد الأدبي.


الحداثة تقتضي التجديد المستمر وعدم التقوقع والجلوس في صناديق أدبية، لا سيما أننا نشهد تسارعاً في جميع مجالات الحياة. ونضرب مثالاً على ذلك بقصيدة النثر التي لم تكن على قائمة الشعر قبل عقود وأصبحت فيما بعد جنساً أدبياً يعتد به بين صنوف الشعر وبات لها قواعد وشروط ودخلت عالم الأدب.   

 

عملية النقد عملية بحثية والناقد باحث، إذ هو له أهداف مسبقة من البحث، أو يقرأ فيجد خاصية أو فكرة أو تفرد في جانب معين، فيحاول تعزيزها بالشواهد والأمثلة واستخلاص النتائج التي تتفق مع أطروحته ويحاول طرحها في نص نقدي مقنع للمرسل والمتلقي. 


إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

العهدة الثقافية

2016