لعل ما يهمنا في المقام الأول هو موضوعة العلاقة بين الفضاء الافتراضي والأدب، تلك العلاقة التي لم تفتأ تتأصل في هذا الباب، فنجد الكثير من الصفحات الثقافية على الشبكة العنكبوتية، وكثير من المواقع التي باتت تستهدف الإكثار من عدد المستخدمين، عبر مجموعة من الأساليب منها استدراج الأصوات المميزة في الإبداع العربي، وتبدو اليوم حركتين مضادتين على فضاء الشبكة ، تمثل أحداها ذلك التحول من الصحافة الورقية إلى الصحافة الإلكترونية هروبا من الصعوبات القاهرة ماديا للصحف ، وذلك التحول بطبيعة الحال يحيل الصفحات الثقافية إلى مدارج الشبكة . وتشكل المواقع الثقافية المميزة صوتا متفردا يحمل المشاريع الثقافية ويدعم اتجاهاتها ، ولكن بعضها اضطر للتوقف (جهة الشعر) مثلا ، ولسنا حقيقة نعرف لماذا توقفت ، فهل هي لاستكمال مشروعها الأدبي أم لفقدانها التمويل ، بينما تستمر بعض المواقع بشكلها الورقي وعلى الشبكة مثل (ما بين نهرين) مثلا ـ وغيرها.
ولعلنا لا نكشف سرا إذا قلنا بأن هناك كما كبيرا حقيقة مما لا ينتمي إلى الإبداع الأدبي ينشر باسم الشعر والقصة القصية والرواية ..الخ على فضاء الشبكة، ولكن الأمر لا يعدو طبيعة العلاقة بين قمة الموجة وقاعها وما بينهما، فلم يختلف الأمر حتى في المطبوع كتبا أدبية ، فنجد حالة الغث و السمين متوفرة في كل المجالات ، وليست إلا انعكاسا لصورة ما هو متحقق بالفعل كما نعتقد ، بل نعتقد بوجود تيار مجتمعي قوي لتعزيز التفاهة وإنتاجها داخل المجتمع العربي ، ونحيل الموضوع إلى المتلقي وكلنا ثقة في قدرته على التمييز بين الجيد والرديء من الأعمال ، ونرتكز على الناقد الجاد في التمييز بين الحالتين ، وتوصيل الرؤى للمتلقي.
هل يمكننا القول بشيء من الارتكان إلى مدركنا الخاص : بأن الفضاء الافتراضي يسير ناحية الاختزال ، وإن ذلك بات يجبر النص الأدبي على التقلص مواكبة للسرعة الهائلة للشبكة واختزالا لوقت المستهلك وتناسبا مع اتساع الصفحة . وبالتالي سنكون أمام افتراض يقوم على إن الشعر الوامض والمكتوبة على طريقة الهايكو ، هو الأقدر بهذا الاعتبار على النفاذ من خلال الشبكة إلى المتلقي ، وكذلك تفعل القصة القصيرة والقصيرة جدا ، بينما تظل الرواية صعبة الانتشار على الشبكة ، باعتبار تمددها المكاني وحاجتها إلى استطالة الزمن ، ويبدو أن ما لا يسكن صفحات المبدعين العرب على الشبكة يمكن أن يظهر في أماكن أخرى مثل الروايات والمجموعات القصصية المتاحة على صيغة البي دي اف . وهل من المعقول أن نقول بشيء من الحذر : بتحول الشعر إلى سلعة في الشبكة.
وعلى العكس مما يبدو لنا كتيار تفرضه طبيعة الشبكة العنكبوتية ، يمكننا تلمس في المطبوع وجود استطالات شعرية ، واعني بالاستطالات الشعرية هو تمدد القصيدة على مساحة واسعة من الصفحات دون أي اعتبار لمعيار الجودة في غيابه أو حضوره، وهو هنا ليس حكم قيمة وإنما توصيف لحالة القصيدة الممتدة كما نراها في بعض الدواوين (القصيدة ـ الديوان)، كما نلمس في ذات الوقت وجود القصائد القصيرة نسبيا على ذات الدواوين، ولكن يبدو أننا نلمح اتجاها نحو تناسب تلك القصيدة الحديثة والتي نقصد بها قصيدة النثر مع الفضاء الافتراضي، ولعلنا نتوقع وجود تيار في القصيدة الحديثة يميل بها نحو الاختزال ، خصوصا بتجاورها مع القصة القصيرة جدا
إرسال تعليق