-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية

لست حزيناً د. محمد مقدادي

 

لستُ حزيناً كما ينبغي

فالحبُّ الذي أسرجتُ له خيولي

ذَوَت فتائلُهُ ،

مثل سراجٍ قديم.

الحبيبة التي أشاحت بوجهها عن فمي،

حين هَمَّ بياسمين شفتيها المالحتين.

الدروبُ المُلتفَّةُ على عنقي،

مثل أفاعٍ عطشى لموتٍ زؤام.

الوردُ الذي أحطتُهُ بذراعيَّ

ذَبُلَ في المزهرياتِ

وألقتهُ امرأةُ العزيز، في آخر الليل، من النافذة.

السرابُ الذي أَلقَمْتُهُ ثديَ روحي،

حتى فاضَ بهِ الرَّمل.

خطايَ المبعثرةُ على سفوحِ التمنّي.

الحظُّ العاثرُ،

السقيفةُ المهجورةُ،

والبيتُ المنخور.

الوطنُ الذي لسعنى سوطُ جوعِهِ وعذاباتِه.

الابن الذي مضى، بلا مقدّماتٍ،

مبتَكِراً مساحاتٍ جديدةً للدّمعْ.

الفجرُ الذي تَنَسَّلَت خيوطُ بِساطِهِ الرّثّ،

على زوايا البيوت.

القلب الذي تناثرت شظاياهُ،

 

في أزِقَّة الفراغ.

أنيابُ العمر التي نهشت مفاصل الصَّبر.

النِّساءُ اللّواتي ادّعَيْنَ الوقارَ،

قبل أن يُقِمنَ عروشَ الرّذيلةِ على شرفتي.

الدُّموعُ التي أجريتُها، إشفاقاً،

على جنائزِ الأبرار .... والمقرّبين.

الأصدقاء الذين قادوا اللصوص إلى مِخدعي،

وسطوا على ما شحَّ من قوت العيال.

البحرُ الذي قضى به الأنبياءُ نحبَهُم.

المدينة التي تلفّعت بشرشف البحر،

ومات أهلُها ظمأً لمرارة النّدى.

القصائدُ التي ذرَتها الرِّيح الهوجاءُ،

ولم تجد من يتوسَّدُ ذراعَها المُشرعَ للضوء.

***

أنا...!

أنا الذي تداعيتُ،

على العتبات المحروسةِ بالأبالِسة.

كلُّ هذا الحزن،

لم يُشِع في الرّوحِ حزناً

كافياً لاغتسالها.

كلُّ هذا الحزن،

لم يجعلني حزيناً كما ينبغي،

وأنا أبحثُ عن صدرٍ يليقُ بدمعي

كي يُطهِّرَني من وجعي المُقيم. 

إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

العهدة الثقافية

2016