غسان تهتموني |
الشهيد / الحكاية
في (مطر نازف) للكاتب
محمد عوّادين ..
هي خطوات قليلة ومرتبكة،
لأجد نفسي في الصفوف الأماميّةِ أمام الصورة ( صورة الشهيد) تتوسط منتصف الجدار،
كنت في صفاءٍ وحبورٍ لا ينتهي، ربما بدوتُ لي كقوس قزحٍ هاربٍ من ليلةٍ شتائيةٍ
قاسية ...
تملّكني شعورٌ لا أعرف كنهه ومصدره، هاتفٌ هزّني ودعاني
إلى الاقتراب أكثر مما يجب..
كنت في توقٍ عميقٍ لأحضن الصورة إيّاها وأودعها جنبات ضلوعي...
لثوانٍ تنسمتُ /عائد إلى حيفا/ للشهيد غسّان كنفاني ،وكيف أعاد
«فارس» صورة أخيه بدر إلى صاحب البيت الذي تركوه في يافا...
ندم كثيرا، ووجد أنه لا يستحقّ هكذا تكريم، فهو ببساطة قد نزع من
هناك وطناً بأكملهِ...
لثوانٍ معدودات، لمستُ في وجهه الشّبه الدقيق بين الشهداء جميعا..
في اللاوعي هبط توقيع أخي على ظاهر الصور:
تذهب الجسوم، وتبقى الرسوم..
الرسم المتروك: هو الوشم المطبوع على سائر أرواحنا ..
وهو الحياة التي تهديها الحياة لنا.
والقصاص من الأعداء، هي الحياة التي يمنحها الله لنا، على أيدي
أبطالنا الشهداء ..
في الحبّ يصطفينا الحبّ يحملنا في سلالمه الأثيرة..
يصبح عناق العناق حقيقةً لا مجازا ..
الهواء- التراب، الموت - الحياة، الشمس- القمر، الشعر- النثر، ..
في القصيدة يستعر الشوق، وتطفو ملامحها فوق الفقد المشرق
بالفجر ...
فيما مضى كان الشهيد زياد القاسم يمارس فناءه، في الدقائق المنزوعة
من عشقه وولهه...
هنا خطرت بالبال « بالي»
تلك الأوراق السّاقطة على صفحة تشرين :
كان بودّي
أن تبقى الأوراق على الأرض
تقول حكايتنا همسا
ليس،
من ثقلٍ منّي
لكن ممّا زاد المشهد بؤسا
ذلك العابر
إذ راوغها
ناوشها كنْسا..
هكذا هي الشهادة إذن، تمدّ حبل وصالها، لا يعتورها تقادمٌ أو جفاف،
في مضافة آل طناش الشطناوي ، ارتدتني طواعيةً حلل البياض الموشاة
بالأرجوان:
بياض الفطرة في قبساتها الأولى، وأرجوان الفداء بامتداد زهورها
وتجلّياتها العاشقة...
في مضافة آل طناش الشطناوي فقدت الجاذبية مرادها، واكتشفت من جديد،
الإنسان/ الوطن..
في شخص شهيدنا زياد القاسم ، ابن حوّاره الحورانيّة الممتنّة
أبدا لأبيها السهل...
ناصباً سرادق الطهر والفرح بين تلافيف إطلالته السرمديّة المدهشة...
أسعدتني بحقٍّ مداخلات الأدباء: عبد الرحيم جداية وأحمد الغماز،
وأحمد طناش شطناوي الذي أضفى تقديمه وتعريفه على الحضور روعة وسحرا، وهم يتناولون
الرواية /مطر نازف/ للروائي محمد ارفيفان العوّادين، بالإضاءة والوقوف
على إحداثيات السرد والجمال.
أسعدني تأويل ما ظهر وما بطن، من هذا العمل الفنّي الذي وصل صاحبه
الليل بالنهار ليخرج علينا، مولودا جميلا، كروعة الشهيد وعذوبته..
في السياق ذاته، تبقى قصيدة الشاعر الفذ عز الدين المناصرة، بحقّ
الشهيد زياد سليمان قاسم طناشْ*، عالقة بين الروح والروح، ما بقيت الحريّة، وتسابق
على مذبحها الأحرار :
يا أمّي تأخذني عيناك إلى أين..
بالأخضر كفّناه
بالأحمر كفّناه
بالأبيض كفّناه
بالأسود كفّناه
بالمثلث والمستطيل
نزف المطر على شجر الأرز المتشابك بين الأخوين.
وازدحمت في الساحات طيور البين
ثمّ حملناه على الأكتاف
بكت المزن البيضاء بدمع شفّاف....
____
أستشهد على الأرض اللبنانيّة..
عام 1975
إرسال تعليق