من خلال كتابة تحتفي
بالمكون الطبيعي، وتنطلق من خلفية خاصة للحزن والانطفاء،طاعنة بهما معا، يحاول
المبدع المغربي الشاب لحسن أيت بها،استهلال مسرح سيري،محاصرا حياته هو ،وسائر ما
يتصل بها، تبعا لرؤى برزخية موغلة في الحلم،كأنّما يريد توجيه ذائقة طرف التلقّي
ووعيه، إلى ما من شأنه تأجيج الكامن ورجّ الدفين، كضرب من خلق مواجهة رمزية بين
ذات كنصف، تزدرد خساراتها وانكساراتها،باعتماد خطاب سوداوي،من جهة ،و ثانية كنصف
آخر مفقود، يروم محطات الخلاص والفكاك من خندق المأساة،تأمما لعاجية المتنفّس
الإبداعي، ولحظاته الموازية إذ تجود بولادة ماسحة لفصول خريفية الذاكرة وجحيميتها،
على نحو يرتقي معه الفعل التعبيري إلى طقوس تروض الذات وتمنحها طاقة تجاوز سلطة
المكان المفخخ بقيوده التي تدفع ضريبتها الروح ،بدرجة أولى، متسببة بزخم هذه
المعاناة والعزلة ونوبات الحزن الحاد الذي يطغى على مجمل نصوص هذه المجموعة ،
مثلما سيتسنّى لمقلّب صفحاتها ذلك، تدريجيا، وفق خطوط تجريبية تغازل من وراء
مشهدية عمى الألوان، بيد أنها تصدمنا بمنظومة من الميكانيزمات ،على مخملية تمرير،
كاستدعاء الموروث والرموز والصمت عن المقدّس،وتكثيف المفارقات والاشتغال على
تجاذبات الأضداد، بما تتشكّل له كوّة ، يلوّنها نفس الأمل ،بالنهاية،داخل رحم هذه
المرثاة، ويسعف بانفلاتات هذيانية مشرعة على نافذة الألوان مثلما تفتي بأبجدياتها
قصيدة الشرود الذهني وكيف أن عمق المكابدة يغذيه وحرارة التجربة.
نقرأ التالي من طقوس هذا الديوان المعنون " مراثي القمر" و
الذي تلبسه شيطنة ما، مذ أولى خيوط إماطة القناع عن الحيوات التي نذر دينامية
الارتجال،بغية حبك عللها،والإشارة بأنامل الغرق الإبداعي البديل، نكاية في سلطة
الذاكرة والمكان على حدّ سواء، كي يسحب تشويقنا إلى آخر كؤوسه التي تفيض بنزف
إنسانيتنا، صادما بحجم ما مورس علينا من غواية ومراوغة، برغم التجريبية وجنينية
المحاولة، تماما كما أسلفنا.
نقرأ قوله:
[أنا عرفت الشيطان
جالسته
وأخذته عنه الأمنيات
وطريقته في التفكير
نادمته].
إنها الأمنيات التي تقودنا إلى الحياة الأخرى المشتهاة، والتي قد لا
تتأتى بسوى قصائد تجبر الذات ،على ارتداء زمنها الجائر، ارتجالا أيضا، وبالمقلوب.
هامش:
مراثي القمر (شعر)،طبعة أولى2019،جامعة المبدعين المغاربة، الدار
البيضاء.
*شاعر وناقد م
إرسال تعليق